الأب لا يجوز له أن ينكر نسب من ولد في فراشه، فإنه لا يحل له كذلك أن يتبنى من ليس بابن
له من صلبه. وقد كان العرب في الجاهلية كغيرهم من الأمم في التاريخ يلحقون
بانسابهم وأسرهم من شاؤوا عن طريق التبني، فللرجل أن يضيف إلى بنوته من
يختاره من الفتيان، ويعلن ذلك فيصبح واحدا من أبنائه وأسرته له ما لهم
وعليه ما عليهم ويحمل بذلك اسم الأسرة ويكون له حقوقها. ولم يكن يمنع هذا
التبني أن يكون للفتى المتبنى أب معلوم ونسب معروف
جاء الإسلام
فوجد هذا التبني منتشرا في المجتمع العربي، حتى إن النبي صلى الله عليه
وسلم نفسه كان قد تبنى زيد بن حارثة في الجاهلية، وهو فتى عربي سبي صغيرا
في غارة من غارات العرب في الجاهلية، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، ثم
وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تزوجته ولما عرف أبوه وعمه مكانه،
وطلباه من النبي صلى الله عليه وسلم، خيره النبي صلى الله عليه وسلم، فما
كان منه إلا أن اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه وعمه، فأعتقه
النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه وأشهد على ذلك القوم. وعرف منذ ذلك الحين
باسم (زيد بن محمد) وكان أول من آمن به من الموالي[/b]
قد رأى بحق أن التبني تزوير على الطبيعة والواقع، تزوير يجعل شخصا غريبا عن أسرة فردا
منها، يخلو بنسائها على أنهن محارمه وهن عنه غريبات فلا زوجة الرجل المتبني
أمه ولا أخته، ولا عمته.. إنما هو أجنبي عن الجميع
ويرث هذا الابن المدعى من الرجل أو المرأة على أنه ابنهما، ويحجب ذوي القربى الأصلاء
المستحقين. وما أكثر ما يحقد الأقارب الحقيقيون على هذا الدخيل الذي عدا
عليهم فاغتصب حقوقهم، وحال بينهم وبين ما كانوا يرجون من ميراث. وما أكثر
ما يثور هذا الحقد، ويؤرث نار الفتن، ويقطع الأواصر والأرحام!!
لهذا أبطل القرآن هذا النظام الجاهلي، وحرمه تحريما باتا، وألغى آثاره كلها، قال
تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو
يهدي السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم) سورة الأحزاب:4،5
ولنتأمل هذه الكلمة القرآنية الناصعة (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم)
أي أن التبني إنما هو كلمة فارغة ليس وراءها حقيقة خارجية.
إن الكلام باللسان لا يبدل الحقائق، ولا يغير الواقع، ولا يجعل الغريب قريبا، ولا
الأجنبي أصيلا، ولا الدعي ولدا، الكلام بالفم لا يجري في عروق المتبنى، دم
المتبني ولا يخلق في صدر الرجل حنان الأبوة، ولا في قلب الغلام عواطف
البنوة، ولا يورثه خصائص الفضيلة، ولا ملامح الأسرة الجسمية والعقلية
والنفسية
وقد ألغى الإسلام كل الآثار التي كانت تترتب على هذا النظام من إرث وتحريم للزواج من حليلة المتبنى.
ففي الإرث لم يجعل القرآن لغير صلة الدم والزوجية والقرابة الحقيقية قيمة وسببا في
الميراث: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) آخر سورة الأنفال.
وفي الزواج أعلن
القرآن أن من المحرمات حلائل الأبناء الحقيقيين لا الأدعياء (وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم) سورة النساء:24. فيباح للرجل أن يتزوج حليلة
متبناه لأنها امرأة إنسان غريب عنه في الواقع، فلا بأس أن يتزوجها إذا
طلقها الآخر[/size].